المصداقية هي حجر الأساس في العمل الصحفي، فهي ما يميز الصحافة المهنية عن الإشاعة والدعاية. الصحفي الذي لا يتأكد من صحة ما ينشر، يعرّض نفسه والمؤسسة التي يعمل بها لفقدان ثقة الجمهور، وهو أخطر ما يمكن أن يواجه أي وسيلة إعلامية.
التحقق لا يعني فقط الرجوع إلى مصدر واحد، بل يتطلب مقارنة المعلومات بين أكثر من مصدر، وفهم السياق الذي جاءت فيه، واستخدام أدوات التحقق المتاحة (خاصة في البيئة الرقمية التي تنتشر فيها الأخبار الكاذبة بسرعة). كما أن المصداقية لا تقتصر على صحة الأرقام والتواريخ، بل تشمل أيضاً الدقة في اختيار الكلمات، وعدم استخدام لغة مضللة أو مثيرة تهدف لجذب الانتباه على حساب الحقيقة.
وبذلك، تصبح المصداقية ليست مجرد قاعدة مهنية، بل التزاماً أخلاقياً تجاه المجتمع، يرسخ ثقة المتلقي في الإعلام، ويجعل الصحافة أداة معرفة وخدمة عامة، وليست أداة تضليل أو استغلال.
إليكم مثالين عمليين يوضحان الفرق بين الخبر الدقيق والخبر غير الدقيق، مع شرح الفارق
خبر دقيق
الجزائر – 22 أغسطس 2025
أعلنت وزارة الصحة التونسية، اليوم الخميس، عن تسجيل 245 إصابة جديدة مؤكدة بفيروس كورونا و 7 وفيات خلال الـ24 ساعة الماضية، مشيرة إلى أن إجمالي الحالات المسجلة ارتفع إلى 300,450 حالة، منها 8,750 وفاة منذ بداية الجائحة.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن البيانات تستند إلى نتائج التحاليل المخبرية الرسمية، مؤكدة استمرار حملات التلقيح في مختلف الولايات.
لماذا دقيق؟
المصدر مذكور بوضوح (وزارة الصحة).
الأرقام محددة ومفصلة (عدد الإصابات والوفيات والإجمالي).
هناك سياق (الإشارة إلى التلقيح).
صياغة متوازنة دون مبالغة أو تهويل.
خبر غير دقيق
مصر – 22 أغسطس 2025
تفشي خطير لفيروس كورونا في مصر، حيث تشير التقديرات إلى إصابة المئات يومياً ووفاة عدد كبير، فيما يصف البعض الوضع بأنه خارج عن السيطرة.
لماذا غير دقيق؟
لا يوجد مصدر رسمي مذكور.
الأرقام مبهمة ("المئات" – "عدد كبير").
عبارات انفعالية (خطير – خارج عن السيطرة).
يفتح المجال للشائعات ويزرع الذعر بدلاً من نقل معلومات دقيقة.
الفر بين الخبرين:
الخبر الدقيق يعتمد على مصدر موثوق، يذكر الأرقام بشكل محدد، ويقدم سياقاً يساعد القارئ على الفهم.
الخبر غير الدقيق يعتمد على عبارات عامة ومبهمة، ويستخدم لغة انفعالية تثير القلق دون تقديم معلومة موثوقة أو قابلة للتحقق.
الحيادية تعني أن يقوم الصحفي أو المؤسسة الإعلامية بعرض الخبر كما هو دون تحيّز أو انحياز لأي طرف من أطرافه، ودون إدخال الرأي الشخصي أو التفضيلات السياسية أو الدينية أو الاقتصادية في صياغة المادة الإعلامية. أي أن الخبر يُعرض بصفته معلومة، لا كأداة للدعاية أو التوجيه. الهدف هو أن يُترك للجمهور حرية تكوين الرأي بناءً على الحقائق لا على الانطباعات.
الفرق بين الحياد والموضوعية
الحياد يعني الامتناع عن الانحياز لطرف ضد طرف. الموضوعية تعني الالتزام بالحقائق والتحقق من صحتها، حتى لو أزعجت طرفًا ما. بمعنى أن الحياد قد يكون موقفًا (عدم الانحياز)، بينما الموضوعية هي منهجية قائمة على التثبت من المعلومات.
أبعاد الحيادية
اختيار المصادر: يجب أن يوازن الصحفي بين مختلف الأطراف، فلا يقتصر على مصدر واحد، بل يسعى لتقديم وجهات النظر المتعددة. 2. لغة الخبر: يجب أن تكون اللغة وصفية وليست انفعالية أو مشحونة بمصطلحات تُظهر التعاطف أو العداء مع طرف معين. 3. التوازن: منح مساحة متكافئة لكل الأطراف المعنية في القضية، ما أمكن. 4. الشفافية: إذا وُجد تضارب مصالح يجب توضيح ذلك للجمهور.
أمثلة تطبيقية
مثال على حياد ناجح: عند تغطية الانتخابات، تعرض المؤسسة الإعلامية برامج المرشحين كما هي، وتتيح لهم فرصًا متكافئة للظهور، دون تفضيل أحدهم. مثال على فقدان الحياد: إذا ركّزت وسيلة إعلامية على تغطية أخطاء مرشح معين وتجاهلت إنجازاته أو تجاهلت المرشحين الآخرين كليًا.
التحديات التي تواجه الحيادية
التمويل والإعلانات: قد تضغط الجهات الممولة أو المعلنين للتأثير على المحتوى. 2. الانتماءات السياسية: بعض المؤسسات ترتبط بشكل مباشر بأحزاب أو حكومات. 3. التحيز اللاواعي: حتى الصحفي نفسه قد يحمل تحيزات شخصية تظهر في صياغته للخبر دون قصد. 4. الأزمات الكبرى: مثل الحروب أو الهجمات الإرهابية، حيث يجد الصحفي نفسه تحت ضغط الجمهور أو الدولة لاتخاذ موقف.
الحياد بين النظرية والواقع
نظريًا: الحياد قيمة مثالية يُفترض أن يلتزم بها الصحفيون دومًا. عمليًا: من الصعب تحقيق حياد مطلق، لكن يمكن تحقيق "الحياد المهني" عبر التوازن، الشفافية، والتحقق الدائم.
أهمية الحيادية
تعزيز المصداقية: الجمهور يثق بالمؤسسة التي تعرض الحقائق بإنصاف. حماية الصحفي: عندما يُعرف بأنه مهني ومحايد، تقل فرص استهدافه بالاتهام أو التشكيك. خدمة الديمقراطية: الصحافة المحايدة تمكّن المواطن من اتخاذ قرارات واعية بناءً على معلومات دقيقة.
الخلاصة
الحيادية في نقل الخبر ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي ركيزة مهنية تضمن للصحافة صدقيتها ودورها المجتمعي. ورغم صعوبة تحقيقها بشكل مطلق، فإن السعي إليها عبر التوازن والشفافية والموضوعية يجعل العمل الإعلامي أكثر نزاهة وقوة.